مازال ألم التهجير القسري الفلسطيني منذ 66 سنة ماثلاً في الصورة الأولى للعائلات التي هجّرت من قراها ومدنها في فلسطين التاريخية إلى الدول المجاورة، وحتى داخل فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة). فالصورة التي استعادتها الفنانة الشابة ديمة حوراني في عمل فني أدائي تحت عنوان «الفعل الماضي المستمر» هي من أجل محاولة عكس الحال الإنسانية التي عاناها المهجرون الأوائل في عام 1948.
العمل الذي طاف شوارع رام الله في ذكرى «النكبة» وتحول الآن فيلماً مدته 7 دقائق، مجسداً بالأبيض والأسود حال العائلات التي انتزعت من بيوتها وأراضيها ومدنها، كان على موعد مع جمهور تفاعل معه على نحو عاطفي وحسي وصادم. وتشير حوراني، في معرض حديثها عن عملها الفني، إلى أن «المشروع هو استرجاع كل ما جرى مع الناس، لأن المستقبل مبني على الماضي، إذ لفت انتباهي انه بعد 66 سنة، مازلنا متمسكين بعاداتنا وحقنا في العودة إلى مدننا وقرانا التي هجرنا منها قسراً على أيدي العصابات الصهيونية التي مارست كل أنواع القتل والتخويف والسرقة للبيوت والأراضي والممتلكات».
في «الفعل الماضي المستمر» حاولت حوراني أن تسترجع صورة الأبيض والأسود والمشهد الحزين الذي مثل الواقع آنذاك، فاستعانت بممثلين وسيارة نقل مطابقة للمرحلة الزمنية ذاتها، وأزياء وأدوات من أجل عرضها واستعادت الصورة التي ما زالت تلاحق كل فلسطيني. تقول حوراني: «كنت أعمل على إنجاز بحث مع الفلسطينيين في المهجر (أوروبا) وكيف يفكرون في فلسطين والصورة المعلقة في أذهانهم عن العودة، فوجدت أن الصورة متخيلة بين الفلسطيني في فلسطين والفلسطيني في المهجر. فالفلسطيني في فلسطين يفكر في الهجرة نتيجة مضايقات الاحتلال، والفلسطيني في المهجر يفكر في العودة. من هنا جاءت الفكرة التي أنجزتها لاحقاً».
صور المخيّلة... وتأثير الميديا
الصورة الرومانسية الحسية عن فلسطين الوطن تعلب دوراً مهماً في تفاعل الفلسطيني، ومازالت تحتل المخيّلة بسبب تدفق الذكريات، ولكن الأهم بالنسبة إلى حوراني أنها وصلت الى نتيجة ان الشعب مازال يحافظ على صورة وطنه ويتمسّك بحقه في الحرية والعودة: «فكرت أن يتزامن عرض العمل في ذكرى النكبة مع الاحتفالات التي نظمت للمناسبة في شوارع رام الله، وأن يعكس العمل فكرة الزمن الماضي (بالأبيض والأسود)، وأن يتجسد المعنى الحقيقي لتلك المرحلة».
«الصورة والميديا تلعبان دوراً مهماً في زمننا الحالي، وأصبحت الميديا أسلوب حياة، فالعمل الذي أنجزته (بالأبيض والأسود) رصد تجربة حسية في تعبيرات مختلفة ومحاولة لمشاهدة الماضي بقالب معاصر. كما أردت أن أحتفل بذكرى النكبة في صورة مغايرة عن السائد، رد الفعل الصادم من جانب الجمهور كان أساس نجاح التجربة. فقد استقبل الجمهور الفكرة في شكل لافت، وتفاعل معها». تقول حوراني.
إعادة إنتاج الصورة الأرشيفية
مشروع الفنانة حوراني عن النكبة تفرع منه مشروع توثيق لفيلم قصير يختصر فكرة العمل. وليستمر العرض من خلاله «صوّرتُ موكب المشروع لتحويله فيلماً مدته 7 دقائق، فالقصة ما زالت مستمرة، لأن اللجوء مستمر ودخل في متاهة الزمن، فقد مثلت العائلات الفلسطينية المهجرة في الموكب من خلال المدينة والقرية والبادية، أخذت 3 عائلات نموذجاً لمأساة التهجير، مع أزيائها وأدواتها وأغراضها الشخصية، لأعبّر من خلالهم عن التنوع الاجتماعي والثقافي والجغرافي الفلسطيني».
الأهم بالنسبة إلى حوراني من هذا المشروع هو إعادة إنتاج الصورة الأرشيفية لتصبح جزءاً من يوميات الإنسان الفلسطيني المعاصر: «فقد أعدتُ إنتاج الصورة والزمن من خلال أدوات فنية وفكرية معاصرة، فالفلسطيني مازال يعيش داخل صورة (بالأبيض والأسود)، على رغم استمرار الحياة بكل الألوان».
حوراني مؤمنة بالنضال بأساليب مختلفة من خلال طرح أفكار وأدوات حديثة، تقول: «علينا ان نبتكر أدوات نضال مختلفة. فالثقافة والفن من أكثر الأدوات تجلياً في النضال من أجل فلسطين. فالعدو الإسرائيلي يخاف هذه المفردات، يخاف الأفكار التي قد تسبب له الانحسار. فالثقافة والفن وطريقة تقديمها محلياً ودولياً تساهم في تقديم القضية الفلسطينية في شكل يؤدي إلى توعية الجمهور بالقضية ومعاناة الشعب الفلسطيني».
إرسال تعليق