دعا الكاتب والمحلل السياسي فريد زكريا، في مقال له نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إلى عدم المبالغة في رد الفعل تجاه الفيديو المروّع الذي بثته تنظيم داعش للطيار الأردني معاذ الكساسبة، مؤكداً أن تنظيم داعش لم يتوقع الاستجابة التي أحدثها الفيديو في الشرق الأوسط، حيث توحّد الأردنيون ضد التنظيم وشجب رجال الدين في جميع أنحاء المنطقة عملية الحرق بصوت عال لا لبس فيه وأبدت اليابان استعدادها لتقديم المزيد من المساعدات والدعم ضد الجماعة الإرهابية.
وسلط الكاتب الضوء على تسلسل الأحداث التي أدت إلى هذا الفيديو الأخير الشنيع، قائلاً: "أخذ داعش رجلين يابانيين كرهائن، وهو خيار غريب، بالنظر إلى أن اليابان لا تتدخل تماماً في شؤون الشرق الأوسط. وطلب الإرهابيون من طوكيو فدية مذهلة بلغت 200 مليون دولار. وهذا يؤكد ضعف ماكينة صنع الأموال التي طالما افتخر بها داعش، على عكس ما يعتقد كثيرون".
رفضت طوكيو الدفع، وبقيت الرهينتان بلا قيمة في أيدي الإرهابيين، فقاموا بإعدام رهينة، ثم عرضوا إطلاق سراح الآخر إذا وافقت الحكومة الأردنية على الإفراج عن الإرهابية المعتقلة "ساجدة الريشاوي". لا تحظى اليابان بنفوذ كبير علي الأردن. كما أن قضيه الريشاوي كادت أن تُنسى، فقد مر عليها وقت طويل- تسع سنوات- أي حتى قبل أن يظهر داعش للوجود. كان هذا المطلب يمثّل اقتراحاً متعجلاً لتدبير مطلب جديد عندما رُفض المطلب الرئيسي. فكّرت الأردن في إدخال طائرها المحتجز، الملازم أول معاذ الكساسبة، جزءاً من الصفقة، وأبدى داعش التعاون. لكن، يعتقد مسؤولون أردنيون الآن أن الطيار قد أُعدم قبل أسابيع بالفعل.
ورأى الكاتب أن الفيديو الذي يعرض حرق الطيار حيّاً قد يكون غطاءً لعملية لم تحقق النجاح. وفي الوقت نفسه، لم تكن الأخبار في ساحة المعركة جيدة بالنسبة لداعش.
انتكاسات
ويصف الباحث في معهد بروكينغز كينيث بولاك "الانتكاسات المذهلة" التي واجهتها الجماعة في العراق في مقال له نشره موقع المعهد الأمريكي. وهذا قد يساعد في تفسير وحشيتها التي ظهرت في تنفيذ الإعدام والفيديو. تفهم جماعة داعش الغرض الأساسي من الإرهاب، ألا وهو بثّ الخوف والتحفيز علي المبالغه في الردّ.
وأشار الكاتب إلى أنه عندما ظهر الإرهاب في الشرق الأوسط الحديث لأول مرة على الساحة في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، كتب المؤرخ ديفيد فرومكين مقالاً في مجلة "فورين أفيرز" ربما يُعد أفضل دليل لفهم هذه الظاهرة، فقد أشار إلى أن الإرهاب منذ نشأته غداة الثورة الفرنسية لطالما كان استراتيجية الضعفاء للإيهام بامتلاك قوه كاذبة، وفوق كل شيء تضليل الناظرين.
وأوضح الكاتب أن استراتيجية تنظيم داعش تتمثل في استهداف الولايات المتحدة وحلفائها، ويتم تصميم كل أفلام الفيديو والأعمال الهمجية لجذب واشنطن إلى معركة برية في سوريا على أمل أن هذه الحرب المعقدة الدموية طويلة الأمد سوف تستنزف قوة القوة العظمى في العالم.
ولفت الكاتب إلى أن الأحداث الإرهابية التي شهدتها أوروبا مؤخراً قد لا تكون منطلقة من استراتيجية متسقة، لكن من شأنها أن تدفع الأوروبيين حكومات وشعوباً إلى التعامل مع كافه المسلمين في أوروبا باعتبارهم محل اشتباه ومصدر خطر، وفي هذا تحقيق لأحد أهداف الإرهابيين الهامة.
وختم الكاتب مقاله بالقول "لا يجب أن تحدث مثل هذه الأمور، مشيراً إلى إمكانية هزيمة الإرهاب على الرغم من تعذر منعه بشكل دائم، وذلك من خلال رفض ما يريدون منا فعله".
إرسال تعليق