0

للاسف الشديد ساهمت سياسة الانفتاح التي انتهجها الرئيس المصري السابق انور السادات ،  وازدياد العمالة المصرية في الدول الخليجية وخاصة السعودية في سبعينيات القرن الماضي ، لا سيما العدد الكبير من مشايخ الازهر الذين ذهبوا الى السعودية ودرسوا الفكر الوهابي وعادوا لتدريسه في مصر ، ساهمت وبشكل خطير بانتشار وباء الوهابية الخطير في الجسد المصري ، الذي كان محصنا قبل ذلك امام هذا الفكر التدميري والمتخلف.
وعن غسيل الدماغ الذي تعرض له مشايخ الازهر الذين سافروا الى السعودية ينقل سيد محفوظ وإحسان السيد في مقال مشترك تحت عنوان "وكلاء الوهابية فى صحن الأزهر" يعود تاريخه الى عام 2008 ، حكاية تكشف حال المصريين بعد تعرفهم على الوهابية ، : "سائق التاكسى الذى توقف عندما أشار له الشيخ المعمم، لم يكن يتخيل أن الشيخ الذى بادره بالسلام قبل ركوبه يخفى فأسا صغيرة بين ملابسه، وأن وجهته هى مسجد الحسين من أجل هدم ضريح حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ ظل يهذى بكلمات غير مفهومة، ذكرها السائق فى المحضر رقم 1052 قسم الجمالية منها": سأهدم أصنام المصريين" السائق اشتبه فى الشيخ فتوجه إلى القسم، وهناك اتضح أن الشيخ هو عرفة محمد إدريس شيخ أزهري ابن محافظة البحيرة عائد من سنوات الإعارة فى المملكة العربية السعودية ومعه جزء من الفكر الذى يدعو إلى هدم الأضرحة وحرق الصور وتفجير التماثيل كما تنص تعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، أول من وضع النواة الأولى لهذا الفكر فى المملكة العربية السعودية".
المقال السابق ينقل تقارير لوزارة الخارجية الأمريكية تؤكد أن حجم ما أنفقته السعودية على عمليات الدعاية الخارجية للوهابية  منذ الطفرة النفطية فى نهاية السبعينيات وحتى الآن (عام 2008 تاريخ كتابة المقال)  تجاوز مبلغ 70 مليار دولار أى حوالى 2 مليار دولار سنويًا!!. قصة الشيخ عرفة ومحاولته هدم ضريح الحسين ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، بسبب سيطرة هذا الفكر على أكبر مؤسسة دينية فى مصر والعالم الإسلامى هى الأزهر الشريف, فهناك الآلاف من وكلاء الوهابية نجحوا فى أن يخترقوا أبواب وأسوار الأزهر لنشر هذا الفكر داخله، حتى تحول الأزهر إلى بؤرة لنشر هذا الفكر.
منذ ذلك الوقت وحتى اليوم انتشرت ظاهرة التكفير والانغلاق والتطرف والفتاوى السخيفة والبعيدة كل البعد عن الثقافة المصرية والنهج الازهري ، وبرزت هذه الظاهرة وتكثفت بشكل اكثر قوة بعد احداث ما بات يعرف بالربيع العربي وما جرى ويجري في سوريا وليبيا وتونس واليمن ، وقبل ذلك في افغانستان وباكستان والعراق ومناطق اخرى في العالم ، حيث عمد وكلاء الوهابية في مصر الى تكميم افواه المفكرين والمبدعين والفنانين ، باستخدام سلاح الفتوى وسلاح التكفير ، الامر الذي اضر كثيرا بالحركة الفكرية والثقافية والفنية في مصر.

ما قيل عن انفاق السعودية مليارات الددولارات لنشر الوهابية ، لاسيما في مصر ، سببه معرفة السعودية بدور مصر الريادي في العالمين العربي والاسلامي ، لذلك اذا ما ارادت السعودية للفكر الوهابي ان ينتشر في العالم لابد من استخدام مصر كقاعدة انطلاق لما تملكة مصر من منزلة في قلوب العرب والمسلمين ، ولما تملكه من خصائص تتميز بها عن باقي الدول الاخرى ، لذلك فهي لا تتهاون ازاء كل من يمكن ان يقف في وجه الوهابية في مصر ، فمثل هذا الشخص يعرض حياته وامنه وعمله ورزقه وحتى سمعته للخطر.
ويمكن الاشار الى بعض الحالات التي تكشف حقيقة وجود الاخطبوط الوهابي الذي اخذ يكتم على انفاس مبدعي مصر ويدفعهم الى زاوية معتمة ، لا يملك بعدها الا ان ينسحب او يستسلم . فقبل ايام بدأ وكلاء الوهابية في مصر هجمة شعواء ضد الفنانة  المصرية حنان شوقي بسبب مشاركتها الى جانب الفنانة وفاء الحكيم والفنان أحمد ماهر، في مراسم اقيمت على أرواح ضحايا مجزرة سبايكر في مدينة تكريت العراقية ، ومازالت هذه الحملة تتصاعد ، ولم يجد الشيخ الوهابي وليد إسماعيل من وسيلة للهجوم على حنان شوقي الا ذلك السلاح الوهابي القذر ، وهو سلاح الطائفية ، فقد اتهمها ( هذا اذا اعتبرنا التشيع تهمة) وبكل بساطة بانها "تشيعت".
ولم يؤثر في التقليل من الهجوم الوهابي على الفنانة حنان شوقي وزميليها قولها :"رأيت هناك ضمن الحشد الشيعي العراقي مواطنين سنة وشيعة ومسيحيين دون أن يكون هناك أي عنوان طائفي ، وتعاملت مع بشر يخافون على وطنهم ويحبونه ولا يهمهم سوى مواجهة داعش، وأردت أن أؤيد الوحدة لمواجهة الإرهاب".
الوهابي وليد اسماعيل ، الذي ينخره الجهل من قمة راسه حتى اخمص قدميه ، جعل من نفسه علامة وهو يرد على الفنانة حنان شوقي وبكل صلافة الوهابي : "إنهم يستخدمون الجهلاء ليفعلون معهم ذلك" ، فترد الفنانة حنان شوقي بأدب على وقاحة وصلف الوهابي وليد اسماعيل ، في لقاء لها مع الإعلامي وائل الإبراشي :"أنت شوفتهم وهما بيشيعوني يا أستاذ وليد!!!، كان لازم تتصل بي وتتأكد مني بدل ما تكتب على موقع التواصل تشيع حنان شوقي".
ان عدم اقتناع الوهابي وليد اسماعيل بما قالته الفنانة حنان شوقي ، يعود الى الاختلاف الجوهري في المنظومة المعرفية التي حمل كل من الوهابي والفنانة ، فالوهابي لايرى في "داعش" و "النصرة" والقاعدة وكل التنظيمات التكفيرية الاجرامية الاخرى ، بانهم ارهابيون ، او انهم خارجون عن الدين ، بل يرى فيهم هم اصل الدين وحملته ، لانهم وهابيون مثله. كما انه لا يرتد له جفن عندما يرى مشاهد الذبح والسلخ والاعدامات التي تنفذها الوهابية في العراق وسوريا ، لان هذه الممارسات يؤمن بانها ايمانا راسخا ، كما ان يرى في التعاطف مع ضحايا الوهابية خروجا عن الدين ، فهؤلاء كفرة ومشركين يستحقون القتل .وقبل كل هذا وذاك فالوهابي وليد اسماعيل يرى في الدفاع عن "داعش" وكل المجموعات التكفيرية الاخرى حتى بوكوحرام ، واجبا شرعيا .
اما الفنانة حنان شوفي فهي تنطلق في التعامل مع ما يجري في العراق من فظاعات على يد الوهابية ، من منطلق اسلامي وانساني ، فهي كمسلمة ارادت من خلال مشاركتها في احزان اهلها في العراق الذي قُتل من ابنائهم نحو الفي شاب لا تتجاوز اعمارهم العشرين عاما وخلال ساعة واحدة فقط ،على يد من يحملون ذات العقيدة التي يحملها المدعو وليد اسماعيل ، ان تؤكد ان الذين نفذوا هذه المجزرة المروعة ليسوا بمسلمين بل مجموعة من الارهابيين . وان ما يقال عن الحشد الشعبي العراقي في الاعلام الخليجي الطائفي الرجعي الفتنوي ، لا حقيقة له على ارض الواقع . كما ارادت كإنسانة ان تقول للعراقيين ولغيرهم ، ان ما حصل في سبايكر جريمة ضد الانسانية ، وعلى كل انسان في اي مكان في العالم ان يتعاطف مع الضحايا ويندد ويستنكر الجهة التي تقف وراءها ، مهما كانت والى اي جهة انتسبت.
ان ما تعرضت له الفنانة حنان شوقي والفنانة وفاء الحكيم والفنان احمد ماهر ، ليس جديدا على الفنانين والمثقفين والمفكريين المصريين ، فوكلاء الوهابية في مصر ، مازالوا يواصلون هجمتهم على الاعلامي المصري الشهير ابراهيم عيسى لانتقاده العدوان السعودي على مصر ،  و"اتهم"  من قبلهم ب"التشيع" ، كما اتهم الباحث الاسلامي اسلام البحيري ايضا بذات التهم لانه ينظر نظرة نقدية للتراث الاسلامي ويحتكم الى العقل ، وهو ما ترفضه الوهابية .
ان "التشيع"  السيف الوهابي المُشهر في وجه  العديد من الكتاب والمفكرين والسياسيين المصريين لتكميم افواههم ، شُهر كذلك في وجه مفكرين ومثقفين واعلاميين عرب ، بينهم المفكر الاسلامي الدكتور عدنان ابراهيم ، ومفتي سوريا احمد حسون ، و الاعلامي الجزائري يحيى ابو زكريا وغيرهم .
ان لسان حال الوهابية يقول : اما ان تكون وهابيا والا فأنت "شيعي" ، وهذه المقولة بحد ذاتها تؤكد حقيقة ان الوهابية لا تعترف بإي مذهب اسلامي آخر غير مذهبها المنبثق عن افكار ابن تيمية ، وحاشا للانسان المسلم الشيعي او الانسان المسلم السُني ، ان يترك التعبد بمذهبه ، ويتعبد بمذهب كارثي عبثي متخلف ، قائم على التكفير والذبح والموت والخراب ، كمذهب ابن تيمية وتلميذه القادم من صحراء نجد محمد بن عبد الوهاب ، فهو مذهب يتعارض مع الحياة والفطرة الانسانية.

إرسال تعليق

 
Top