0

لا تتحكم المملكة العربية السعودية بأسعار النفط، ولكنها تحاول التلاعب بالتراجع الحالي، والمؤقت، في السعر، لتحقيق أغراضها الخاصة، وينبغي عليها أن تكون حذرة في تلاعبها هذا.

يخضع سعر النفط، مثل أي سلعة، لقوانين ثابتة من العرض والطلب. وقد أدت طفرة النفط في أمريكا الشمالية، بالإضافة إلى ضعف الطلب المستمر، وخاصةً من الصين، إلى خفض سعر البرميل إلى النصف تقريبًا. والطريقة لرفع السعر ستكون من خلال خفض البلدان المنتجة لنفطها المعروض في السوق. ولكن، هذه الدول معتمدة على عائدات النفط لدرجة لن تكون معها مستعدة للقيام بذلك. وقد انتهى اجتماع أوبك لتشرين الثاني، دون اتفاق على خفض الإنتاج.

ومصلحة السعودية هنا هي في المقام الأول معاقبة اثنين من أعداءها الرئيسيين، وهما إيران وروسيا. كل من هاتين الدولتين تعتمد على أسعار النفط المرتفعة لتمويل أولويات سياستها الداخلية والخارجية. إيران هي العدو التاريخي للمملكة العربية السعودية، وتتطلب ميزانيتها أن يكون سعر برميل النفط حوالي 136 دولارًا. أما روسيا، فتحتاج إلى أن يكون هذا السعر 102 دولارًا للبرميل.

وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن سعر النفط الذي تحتاجه ميزانيتها هو 91 دولارًا للبرميل. ولكن، ومع وجود الاحتياطيات النقدية التي لا نهاية لها تقريبًا، قرر السعوديون مواجهة النقص المتوقع في ميزانيتهم، والحفاظ على حصتهم في السوق بسعر مخفض، وهذه إشارة إلى أن السعر المنخفض الحالي سيستمر في الوقت الراهن.

وقد تضطر إيران وروسيا، اللتان لا تمتلكان مثل هذه الاحتياطيات السعودية، إلى إعادة النظر في أولوياتهما الخارجية والداخلية. ولكن، كلا الدولتين لا تفتقران للوسائل التي قد تجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وبالنسبة للغرب. ولدى كلا البلدين سبب كاف لعدم الرضوخ لخطة السعودية التي ستؤدي لانهيار اقتصادي فيهما، من دون قتال.

وتحتاج إيران للمال من أجل الاستمرار في توفير المعونات المحلية للحفاظ على هدوء السكان الغير راضين بشكل متزايد، وكذلك لتسليح الشرطة وتوظيف أجهزة التجسس الداخلية لتحقيق نفس الغرض. أما البرنامج النووي فهو على حد سواء أولوية محلية وأجنبية، والأمر مماثل بالنسبة لإنتاج الأسلحة للجيش الإيراني، وهو القطاع الذي يوفر فرص العمل، ولكنه يهدد الجيران الخليجيين والغرب.

وتشمل أولويات إيران الخارجية أيضًا الحرب في سوريا؛ حيث إن هذه الحرب، ووفقًا لوزير الدفاع السوري، بلغت تكلفتها 15 مليار دولار حتى أوائل عام 2014. ومن ضمن أولويات طهران الخارجية كذلك تقديم الدعم المالي والعسكري لحزب الله، دعم الحرب الجديدة ضد داعش في العراق، تقديم الأسلحة لحماس، دعم الجماعات الجهادية في شمال إفريقيا، ومساندة فنزويلا، التي تتطلب ميزانيتها 121 دولارًا للبرميل، والتي لا يبدو أن المملكة العربية السعودية تمانع رؤيتها تضطرب باعتبارها الحليف الغربي الرئيس لإيران.

وأصر رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، في مقابلة أجريت معه في دمشق، على أنه “من الخطأ تصور أنهم يستطيعون تغيير القضايا الاستراتيجية الرئيسة في المنطقة من خلال النفط. نحن الإيرانيين مررنا بحالات أصعب بكثير من هذه”.

ولكن، لاريجاني اعترف أيضًا بأن البلاد سوف تنتقل إلى “ميزانية التقشف” العام المقبل، وهذه أول إشارة إلى أن إيران تشعر بالقلق. ولكن، رغم ذلك، قد تعطي طهران الأسلحة النووية، وسوريا، والعراق، أولوية أعلى من الجمهور المحلي.

ولا تقتصر قدرة إيران في تشكل تهديد خارجي على سوريا فقط؛ حيث تهدد البحرية الإيرانية المتطورة على نحو متزايد دول الخليج وقدرة المملكة العربية السعودية على تصدير النفط. كما أن تشجيع إيران للأقليات الشيعية في معظم تلك البلدان يشكل معضلة بالنسبة لهم. وأيضًا، تهدد المجموعة المتزايدة من الصواريخ الإيرانية، واستمرار التقدم النووي، أوروبا والولايات المتحدة. وفي حين قد تكون بعض القدرات العسكرية الإيرانية المزعومة مجرد خدعة، ما يزال من غير الواضح كم تمتلك هذه البلاد من هذه الصواريخ والأسلحة. وبكل تأكيد، البرنامج النووي الإيراني ليس خدعة.

أما مخاوف روسيا المحلية فهي لا تشمل جميع السكان، حيث اعتاد معظم السكان المحليين على النقص في الاقتصاد، وهم يؤيدون بوتين لنيته الواضحة باستعادة الإمبراطورية القديمة. ولكن، السكان المسلمون في روسيا هم قصة مختلفة. يقدر اليوم أن هناك 2 مليون من السكان المسلمين المقيمين بشكل قانوني في موسكو، بالإضافة إلى 2 مليون عامل مهاجر غير شرعي مسلم. وهؤلاء متطرفون على نحو متزايد، جزئيًا بفضل المدارس والمساجد والدعاة الممولين من قبل السعودية في الشيشان، وأماكن أخرى.

وبالتالي، تعتقد روسيا أن إيران هي أقل تهديدًا بكثير من الجهاديين السنة، الذين يضمون في صفوفهم الشيشان الذين جلبوا صواريخ ستينغر، والتدريب العسكري إلى الأراضي الروسية.

كل هذا أدى إلى وضع إيران وروسيا كل ثقلهما في الحرب الوحشية في سوريا، وإلى إصدار تهديدات مستمرة، وإجراء العروض العسكرية الكبرى، لإرهاب الغرب والولايات المتحدة. لقد أصبحت جرائم الإنترنت الروسية منتشرة في كل مكان، واستثمرت روسيا بكثافة في التطوير العسكري الذي يشمل تحديث ترسانتها النووية. وفي تحد مباشر للولايات المتحدة، دخلت قاذفات روسية المجال الجوي الأمريكي 16 مرة في شهر أغسطس، و6 مرات في شهر سبتمبر. وفي أكتوبر، حلقت القاذفات الروسية فوق أوروبا.

خدعة؟ ربما، ولكن سيكون من الحماقة بالنسبة للولايات المتحدة أن تفترض أن القيود على الميزانية سوف تؤدي إلى كبح جماح السلوك الروسي أو الإيراني. كما أنه سيكون من الحماقة أن تفترض المملكة العربية السعودية أن تحكمها المؤقت في انخفاض أسعار النفط الراهن يجعل منها حاكمة العالم.

إرسال تعليق

 
Top